الأربعاء، 13 يوليو 2016

لماذا تفشل مشاريع المقاهي العصامية ؟

سأل سائل على موقع كورا لماذا تفشل مشاريع المقاهي التي يشرع العصاميون في إطلاقها، فتصدى للإجابة خبير المقاهي بيتر بسكرفيل Peter Baskerville العجوز الأسترالي الذي يقول أنه أسس وأطلق وأدار أكثر من 20 مقهى بنفسه، الذي بدأ بأن أمد أن الفشل المقصود ليس غلق الأبواب، بل الفشل التجاري في تحقيق عائد وربح كافي، ربح يكافئ مجهود المؤسس والمدير للمقهى، بمعدل يقارب معدلات التربح من المشاريع التجارية المماثلة، عند المقارنة بقيمة رأس المال المستثمر وساعات العمل المبذولة والربح الصافي المتحقق.

ينتشر في الغرب ثقافة تجارية تقوم على طاولة بيع مشروب الليمون، كناية عن أسهل مشروع تجاري يمكن لأي شخص البدء به. تختار زاوية مزدحمة من طريق، تنصب طاولتك، تضع حاويات مشروب الليمون الذي قمت بإعداده، وترص الأكواب وترفع لافتة تضع عليها سعرك وتنتظر هجوم الزبائن. هذه الفكرة تتطور قليلا لتصبح فكرة امتلاك مقهى أو مطعم، فالأمر يبدو سهلا، ما مدى صعوبة إعداد المشروبات أو الوجبات؟ هذه السهولة الزائفة تدفع قليلي الخبرة لتجربة الأمر، وهؤلاء لا يعرفون كيف يضعون أسعارا صحيحة لمنتجاتهم، أو يندفعون خوفا من المنافسين إلى تقليل أسعارهم، ومن ثم إما لا يحققون أي ربح يذكر أو يخسرون ويخرجون من الحلبة مهزومين مدحورين (لكن مع خبرة تجارية لا بأس بها كبداية).

دعنا نرجع للمثال السابق، حتى في حال حقق المقهى أرباحا ضئيلة، سيفرح بها صاحبها في البداية، ثم رويدا رويدا سيبدأ يمل ويشكو من قلة المردود مقارنة بالجهد المبذول، وسيبدأ يدرك حقيقة الأمر – لا يمكن له الاستمرار بدون ادخار مبلغ من المال لمواجهة الأزمات الطارئة، وللتوسع وللتسويق ولتحسين جودة الخدمة ولدفع رواتب أعلى لجلب عمال أكثر مهارة وخبرة، وللمحافظة على ولاء العمال الحاليين ولضمان عدم رحيلهم سريعا. باختصار، قد ينجح المشروع في تفادي الخسارة المالية، لكنه قد يفشل في أن يكون ذا بريق تجاري، يساعده على الاستمرار والتطوير والتوسع. بدأ بيتر بأن عدد أهم الأخطاء التي يقع فيها العصامي الذي يشرع في تأسيس مقهى فقال:

1 – إنفاق الميزانية فيما لا يعود بالربح

في البداية، قد يستمع العصامي لنصائح خبراء غير مؤهلين لإبداء النصح، فيجعلونه ينفق مال المشروع في أمور لن تعود بزيادة في الربح، بدلا من أن ينفقها على التسويق وتحسين تجربة المشتري، ما يجعل دورة المال سلبية إلى تناقص. في بداية أي مشروع، لا تنفق المال إلا فيما تثق أنه سيعود لك مرة أخرى مع ربح فوقه، إما ذلك وإلا الخسارة.

2 – التركيز على المطبخ بدرجة زائدة

حين تفتح مطعما، وتستعين بطباخ ماهر، ستجده يطلب منك شراء المطبخ الاحترافي الغالي، وهو أمر لا شك في أهميته، لكن الأهم منه هو تجربة المشتري، زبون المطعم، منذ أن يجلس إلى الطاولة ويستخدم الملعقة والشوكة، ويلمس المفارش ويطالع الحوائط ويلاحظ الإضاءة ويبدي إعجابه بالخلفية الهادئة والرائحة العطرة ونظافة فريق العمل وفهمهم لمحتويات القائمة ولطلبات العميل وأدبهم في التعامل وسرعتهم في التسليم. ما فائدة الطعام الشهي في مكان مزري وخدمة متأخرة وعامل لا يفهم نصف كلامك ورائحة كريهة وأواني طعام غير نظيفة؟

3 – عدم التخطيط لتيسير مجريات العمل

حين يبيع مقهى أو مطعم منتجاته بسعر زهيد (ربما بسبب المنافسة) فهذا يستدعي أن يبيع آلاف الوحدات يوميا من منتجاته حتى يحقق ربحا مقبولا. هذا الأمر يستدعي تنظيم خطوات العمل الداخلي وتصميم ديكور المقهى بحيث يمكن فعليا بيع آلاف الوحدات بسهولة ويسر ودون تعطل أو تأخر. يجب أن يحتاج الطلب أقل قدر ممكن من وقت وجهد العامل لتلقي الطلب ثم تقديمه ثم تحصيل ثمنه ثم تكرار ذلك. يجب أن تمنع أي نقاط ازدحام وتكدس ممكنة في خطوط سير كل عامل في المقهى. يجب أن تخطط آلية الطلب بحيث تستغرق أقل زمن ممكن وأن تتطلب أقل مجهود ممكن. يجب ألا تحتاج وقتا طويلا لإدخال مكونات إعداد قائمة المقهى من المنتجات، وكذلك عند تنظيف المكان وترتيبه، ولا تنس قواعد السلامة.

4 – المقاهي لا تبيع القهوة فقط

بيع القهوة يحقق نسب عالية من المكسب، لكنك تدفع المصاريف مقدما وعادة بشكل سنوي – مثل الإيجار، وكذلك تدفع مقابل شراء كميات كبيرة من لوازم مشروبات القهوة المختلفة لغرض التوفير. قد تمر على مقهى مزدحم بزبائنه، لكنك لو نظرت في دفاتره المحاسبية لوجدته بالكاد يغطي مصاريفه.

بيع القهوة فقط غير مجدي، ويجب عليك التركيز على بيع مكملات تجربة شرب القهوة، مثل المعجنات والمخبوزات والشطائر وغيرها. بيع القهوة فقط لن يذهب بك بعيدا.


5 – التركيز الشديد على خفض الفاقد

القادم الجديد إلى عالم صناعة الأغذية سيكون مدفوعا للتركيز على ألا يكون لديه أي هادر أو فاقد، مثل طعام غير مباع. من يدخل هذا المجال ستصيبه الدهشة وربما الصدمة من كم الطعام المهدر يوميا، الأمر الذي قد يدفعه لتقليل الكميات المصنعة يوميا، أو يبقي الطعام المصنع يوميا لفترة أطول حتى لا يهدره. تكمن المشكلة في حقيقة أن صناعة الأغذية تعتمد على ملء الرفوف بالمنتجات الكثيرة المتعددة، والطازجة، فلو وجد المشتري المحتمل رفوفا خالية أو تعرض وحدة أو اثنتين، فلن يحسم رأيه بالشراء، أما إذا اشترى فعلا ووجد الطعام غير طازج أو قديم، فهو لن يكرر الشراء منك، وسيخرج ليقول للعالم أن طعامك غير طازج.

6 – التركيز الشديد على الربح والمكسب

مثل النقطة السابقة، التركيز على تحقيق أقصى ربح ممكن في بداية المشروع قد يدمر علاقتك مع الموردين الذين ستطلب منهم أقل سعر ممكن، وسيجعل تركيز الإدارة منصبا على السعر عوضا عن التركيز على بناء علاقة تجارية وشراكة راسخة مع الموردين تضمن توريد البضاعة الجيدة في الوقت المناسب، وستنشغل الإدارة بالبحث عن أرخص سعر بدلا من أن تركز على بناء علاقة ثقة وإعجاب مع المشتري والعميل لتحويله من عميل المرة الواحدة إلى عميل مدى الحياة.

7 – سوء اختيار العاملين

المقاهي والمطاعم لا تبيع المشروبات والمأكولات. مخطئ من يظن ذلك. إنها تبيع خدمات التخلص من القلق وقضاء وقت ممتع والتواصل مع الأصدقاء والانتماء للمكان وغيرها الكثير من المشاعر الإيجابية.


تحقيق ذلك يعتمد – ضمن أشياء كثيرة – على توفير عاملين وموظفين يساعدون لتحقيق هذه الأهداف، مثل تذكرهم لأسماء الزبائن، تذكرهم لطلباتهم المعتادة، تذكرهم لأصدقائهم ولنقاشاتهم السابقة، كل هذه الأشياء الصغيرة تصنع علاقة متينة بين الزبون والمقهى / المطعم. أما طاقم العاملين الذي لا يفعل كل ذلك، فسيجد الزبون نفسه غير منجذبا للمكان، عازفا عنه لأنه لم يجد من يساعده على بناء علاقة اجتماعية بينه وبين المكان، ولذا يسهل نسيان مثل هذه الأماكن الباردة وعدم العودة إليها.

8 – بث الحيرة بالعروض الكثيرة

في بداية مشاريعهم، يكون العصاميون متأثرين بكل ما قرؤوه ودرسوه من مقالات التسويق، ولذا يسارعون لتقديم عروض كثيرة ومنتجات عديدة لزبائنهم. في حال المقهى / المطعم، يكون الزبون في حاجة سريعة للحصول على طعام وشراب، ولا يكون في حالة ذهنية تساعده على المقارنة بين كل عرض وبين ما هو بحاجة حالية إليه. ناهيك عن أن توفير خيارات كثيرة له ثمن باهظ من حيث التكلفة مما يؤدي لتدني الجودة للحفاظ على هامش الربح. تدني الجودة سيترك لدى الزبون ذكرى سلبية، ما يؤدي لتراجع المبيعات وخسارة الزبائن.

9 – موقع غير مناسب

هذه سبق وتحدثنا عنها كثيرا، من أكبر أسباب نجاح / فشل مشاريع المقاهي والمطاعم هو الموقع والمكان. لقد فشلت مقاهي لأنها لم تناسب طبيعة المكان حولها، أو جاءت في مكان لا يمر به كثيرون، أو يصعب الوصول إليه، أو تشهد ازدحاما في يوم أو اثنين فقط من الأسبوع. لينجح المقهى، يجب عليه التركيز على جمهور ثابت، عدده كبير، يتوافد طوال أيام الأسبوع، ويمر عليه سائحون في أيام العطل الأسبوعية.

10 – سياسة تسعير غير موفقة

صناعة المقاهي تعاني من تقلبات أسعار مكونات القهوة، ولو كان صاحب مشروع المقهى يتبع سياسة تسعيرية فقيرة، تترك له هامش ربح ضئيل، فعندما ترتفع أسعار القهوة سيخسر فورا، ولو رفع سعره لا ضمان أن الزبائن ستشتري منه بالسعر المرتفع. على الجهة الأخرى، حين يقدم المقهى عرضا سعريا خاصا على مشروب الاسبريسو بغرض إغراء الزبائن وجلب مشترين جدد، والاسبريسو مشهور بأنه منتج لا يؤثر السعر عليه كثيرا في حال كانت جودته عالية، ساعتها لن تكون ردة الفعل ملموسة، وسيكون لخفض السعر ثمنه السلبي. كذلك، وضع أسعار المنتجات بناء على التكلفة وليس بناء على توقعات السوق يؤدي لخسارة أرباح ممكنة.

وهنا حيث توقف بيتر عن الكلام، لكنه كتبت مقالات أخرى من ضمنها واحدة تتكلم عن 12 سببا لنجاح المقهى، ولو حصلت على طلبات كافية لترجمتها فسأفعل.

 في الختام

إذا كنت قد انتهيت، وأنت مقتنع أني أتكلم فقط عن المقاهي والمطاعم فأنت فاتك بيت القصيد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق